صُنّاع المحتوى أم الخوارزميات؟ من يتحكم فعلاً في النجاح على يوتيوب؟
| حين تصبح الشهرة قرارًا خوارزميًا لا فنيًا |
![]() |
| صُنّاع المحتوى أم الخوارزميات؟ من يتحكم فعلاً في النجاح على يوتيوب؟ |
منذ بدايات يوتيوب، ارتبطت الشهرة بالموهبة والجهد والإبداع. لكن اليوم، لم يعد النجاح يُقاس فقط بعدد المشتركين أو جودة الفيديو، بل بمدى رضا الخوارزمية عن المحتوى. الذكاء الاصطناعي أصبح "المخرج الخفي" لكل فيديو ناجح، والمتحكم الأكبر في من يُشاهد ومن يُهمّش.
من صانع المحتوى إلى خادم الخوارزمية
في السابق، كان صانع المحتوى هو من يقرر ماذا يُقدّم ومتى. أما الآن، فأصبح مضطرًا لتعديل أفكاره، عناوينه، وصوره المصغّرة بما يتناسب مع “مزاج” الخوارزمية. يُعرف هذا بين صناع المحتوى باسم “اللعب وفق القواعد غير المرئية”، حيث يسعى الجميع لإرضاء النظام الذكي الذي لا يصرّح بقوانينه علنًا.
وفقًا لتقرير Think with Google (2024)، فإن أكثر من 80% من صناع المحتوى يصرّحون بأنهم يغيرون أسلوبهم ومواعيد نشرهم استنادًا إلى تحليل أداء الخوارزميات وليس تفاعل الجمهور المباشر.
كيف تحدد الخوارزميات من يستحق الظهور؟
يعتمد يوتيوب على منظومة معقدة من الذكاء الاصطناعي تُقيّم الفيديوهات عبر معايير تشمل:
- مدة المشاهدة الكاملة (Watch Time)
- نسبة النقر على الصورة المصغّرة (CTR)
- التفاعل (الإعجابات، التعليقات، المشاركات)
- الاستمرارية في القناة (Retention)
- تاريخ التفاعل السابق للمستخدمين مع القناة
هذه المعايير تُحوّل الأداء الإبداعي إلى معادلات رقمية، تجعل النجاح أقرب إلى "تحليل بيانات" أكثر منه "فن".
الذكاء الاصطناعي كمحرر خفي
يعمل الذكاء الاصطناعي أيضًا كمحرر آلي، يوصي بحذف أجزاء من الفيديو أو تعديل طول المقاطع، ويُحلل الأداء لحظة بلحظة. بل إن أدوات مثل YouTube Studio AI Insights أصبحت تقترح العناوين والكلمات المفتاحية الأفضل بناءً على تحليل الخوارزمية، مما يجعل دور المبدع أقرب إلى منفّذ لتعليمات الذكاء الاصطناعي.
وهنا تظهر المفارقة الكبرى: صانع المحتوى يُنتج بحرية شكلية، لكنه يُقيّد برمجيًا من حيث ما “يجب أن يُقال وكيف يُقال”.
خوارزميات النجاح السريع: بين المكافأة والعقاب
الخوارزميات لا تتسامح مع الأخطاء. فيديو واحد ضعيف الأداء قد يؤدي إلى انخفاض ترشيحات القناة بأكملها. في المقابل، فيديو واحد ناجح يمكن أن يرفعها إلى القمة في أيام معدودة. هذه الديناميكية تجعل صناع المحتوى يعيشون في دوامة قلق مستمر، يحاولون فيها إرضاء آلة لا يمكن فهمها تمامًا.
تقرير Pew Research (2025) أشار إلى أن 67% من منشئي المحتوى يشعرون بالضغط النفسي نتيجة الخوارزميات غير المتوقعة التي تحدد مدى ظهور أعمالهم.
هل انتهى الإبداع الحقيقي؟
يرى بعض النقاد أن الخوارزميات قتلت التنوع، إذ أصبح الجميع يُنتج بنفس الأسلوب الذي “تحبه المنصة”. فبدلاً من تجارب فنية جريئة، نرى الآن عناوين متشابهة وصورًا مصغّرة مكررة ومحتوى مصمم لإرضاء الذكاء الاصطناعي أكثر من الجمهور.
لكن في المقابل، يرى آخرون أن الخوارزميات دفعت المبدعين للتطور والتفكير بشكل تحليلي، لتصبح صناعة المحتوى علمًا بحد ذاتها لا مجرد فن.
اقتصاد الشهرة الخوارزمية
بفضل الذكاء الاصطناعي، أصبحت الشهرة نفسها سلعة. النظام يكافئ من يفهمه، ويُقصي من يجهله. لذلك نرى مؤثرين جددًا يظهرون فجأة، وآخرين يختفون رغم محتواهم الممتاز. السبب بسيط: الأول نجح في “إرضاء الخوارزمية”، والثاني لم يفعل.
وهذا ما يسمى اليوم بـ “التحسين الخوارزمي للمحتوى” (Algorithmic Optimization)، وهي مهارة أصبحت ضرورية مثل المونتاج أو الكتابة.
دور الذكاء الاصطناعي في اكتشاف المواهب
من الإيجابيات أن الذكاء الاصطناعي أتاح لصناع محتوى صغار فرصة الوصول العالمي بفضل أنظمة التوصية. فمبدع من قرية صغيرة يمكن أن يُشاهد محتواه ملايين الناس في القارات الخمس، لأن الخوارزمية رأت في محتواه “إشارة تفاعل عالية”.
لكن نفس النظام قد يتجاهل محتوى قيمًا إن لم يحقق الأرقام المطلوبة في بدايته. أي أن العدالة الإبداعية أصبحت نسبية، تعتمد على المعايير الرياضية لا الجمالية.
من المبدع الإنساني إلى المبدع المدعوم بالذكاء الاصطناعي
ظهرت فئة جديدة من صناع المحتوى تُعرف بـ AI-assisted Creators، وهم من يستخدمون أدوات ذكاء اصطناعي لتوليد الأفكار، كتابة السكربت، تعديل الفيديوهات، وحتى تحسين الأداء التحليلي. هذه الفئة استطاعت تحقيق نمو يفوق 200% خلال عام واحد فقط بحسب تقرير Social Blade AI Index (2025).
المستقبل يشير إلى أن من لا يتعامل مع الذكاء الاصطناعي كمساعد، سيجد نفسه خارج اللعبة خلال سنوات قليلة.
هل يمكن لصانع المحتوى استعادة السيطرة؟
الخبراء يرون أن الحل ليس في مقاومة الخوارزمية، بل في فهمها وتطويعها. أي التعامل معها كأداة تحليلية لا كعدو. فكل تعديل، وكل تحليل أداء هو في النهاية وسيلة لتحسين جودة التجربة لا لإلغاء الذات الإبداعية.
كما أن تنويع المنصات (مثل نشر المحتوى على يوتيوب وتيك توك وإنستغرام في آن واحد) يمنح المبدع مساحة حرية أكبر ويقلل من احتكاره بخوارزمية واحدة.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
هل يمكن أن ينجح صانع محتوى دون فهم الخوارزميات؟
صعب جدًا. نجاح القنوات اليوم يعتمد بنسبة كبيرة على فهم نظام التوصية وتحسين أداء الفيديو وفق معاييره.
هل الخوارزميات تقتل الإبداع؟
هي تقيده أكثر مما تقتله. فهي تفرض نمطًا موحدًا، لكنها تفتح أيضًا مجالات جديدة لتحليل الجمهور والإبداع بذكاء.
هل يمكن تجاوز الخوارزمية؟
لا يمكن تجاوزها كليًا، لكن يمكن فهمها والتعامل معها بذكاء لتخدم هدف المبدع لا العكس.
ما الحل أمام المحتوى المستقل؟
التركيز على بناء مجتمع وفيّ من المتابعين، بدلاً من الاعتماد الكامل على التوصيات العشوائية للخوارزمية.
هل ستُصبح الشهرة الرقمية بيد الذكاء الاصطناعي بالكامل؟
جزئيًا نعم، لكن يبقى الإبداع الإنساني هو العنصر الوحيد الذي لا يمكن تقليده بالكامل.
المصادر
- Think with Google – "Creators and Algorithms: The New Partnership", 2024
- Pew Research Center – "Mental Health and Algorithmic Pressure", 2025
- Social Blade AI Index – "AI-assisted Creators Growth Report", 2025
- YouTube Studio Insights – "The Algorithm in Numbers", 2024
- Harvard Business Review – "The Economy of Algorithmic Fame", 2025
